نشر موقع الكنيست الإسرائيلي مؤخراً دراسة سلطت الضوء على زيادة مضطردة في نسبة الهجرة اليهودية المعاكسة من الكيان الإسرائيلي باتجاه العودة للبلدان التي تركوها وخصوصاً أولئك الذين جيء بهم من أوروبا وأميركا وكندا بهدف الاستيطان في فلسطين المحتلة.
دراسة الكنيست الإسرائيلي تفيد، بأن الهجرة المعاكسة من إسرائيل، والتي شملت مئات الآلاف، عاشوا سابقاً كمواطنين في الولايات المتحدة، وكندا وأوروبا، تعود مسبباتها، إلى عوامل أضحت معروفة، ولها دلالات واضحة على وجود قناعة لدى المهاجرين، باستحالة استمرار تماسك مشروع الدولة في الكيان الصهيوني، بعد التأكد من استفحال الفساد فيها، والتمييز العنصري بين اليهود أنفسهم، وحصول انقسام سياسي عامودي وأفقي، وثلاث جولات من الانتخابات المبكرة، لم ينتج عنها إلا حكومة هجينة ضعيفة، وهذا دليل على الشروع بتفكك مفهوم الدولة في إسرائيل.
ومن تلك العوامل التي أسهمت في ارتفاع منسوب الهجرة المعاكسة
أولاً: استحالة الشعور بالأمان وفقدان أمن الفرد وعائلات المستوطنين، وخصوصاً مع تنامي مقاومة الجيل الفلسطيني الجديد لفكرة التعايش مع الاستيطان ومع الاحتلال، حتى بعد 73 سنة على فرض هذا الكيان، إضافة إلى وضوح الصورة الحقيقية، بعدما أصيب المستوطنون بالخيبة، حين وجدوا أنفسهم أقل عدداً من عدد الفلسطينيين الذين يحيطون بهم داخل كل أراضي فلسطين المحتلة، التي أصبح الفلسطينيون يشكلون فيها سبعة ملايين أمام ستة ملايين يهودي، وذلك بحسب الأرقام الإسرائيلية نفسها، لذلك يتأكد المستوطنون في كل بقعة من فلسطين، أنهم ليسوا بمأمن وليسوا في وطن قومي يهودي كما وعدوا من بريطانيا والحركة الصهيونية، وأنهم يعيشون وسط شعب فلسطيني يحكمونه بقوة الإرهاب والترهيب.
ثانياً: المستوطنون وبعد المقارنة برغد الحياة والأمان في إسرائيل، وبين الحياة في أوروبا وأميركا، اكتشفوا أن الفارق بمستوى الحياة كبير، وأفضل اقتصادياً حيث كانوا، وخاصة أنهم كانوا أسياداً في تلك الدول، كما أنه وبعد المراجعة الدقيقة للمستوطنين، أدركوا أن الهوية القومية اليهودية لم يعد لها أي قيمة ولو معنوية في المستقبل، في ظل العيش بين سبعة ملايين فلسطيني جلهم من الجيل الجديد الرافض لوجودهم، ويتربصون بهم وباتوا ينتشرون في كل أراضي فلسطين.
ثالثاً: عجز الاقتصاد الإسرائيلي عن إغراء الإسرائيليين، بدخل يفوق دخلهم في أوطانهم السابقة، بعدما تركوها أملاً بالعيش في بحبوحة مالية وبأمان، وخاصة أن المستوطنين وجدوا أن دخل الفرد في أوروبا، كان يشكل ضعف دخلهم في إسرائيل، إضافة إلى أن أكثر من مليونين من اليهود في إسرائيل، يعيشون تحت خط الفقر.
رابعاً: الاقتناع بوصول المشروع الصهيوني إلى طريق مسدود من الداخل بعد انكشاف الترهل الذي أصاب أركان جيش العدو الصهيوني، عقب الهزيمة الثقيلة في حرب تموز 2006 مع المقاومة اللبنانية، والإخفاق في تحقيق أي من أهداف الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، ما يعني، كسر عنصر ارتكاز القوة والتفوق للدولة.
خامساً: انكشاف تدني مستوى تماسك الجبهة الداخلية في إسرائيل والعجز عن ترميمها، إضافة إلى إخفاق الجيش الإسرائيلي، تحقيق أي انتصار في المواجهات المتعددة على جبهة قطاع غزة، وتمدد جبهة المقاومة مع لبنان، والتحامها مع جبهة الجولان المحتل، ما يعني أنه حتى لو فرضت واشنطن وتل أبيب والغرب كله، تسويات وتطبيع العلاقات مع بعض دول المنطقة، فلن يغير من الواقع المأزوم لإسرائيل، وبالتالي استحالة قيام دولة يهودية، ما يؤكد حتمية تفكك كيان العدو، وخصوصاً بعد إصرار الشعب الفلسطيني على رفض الاحتلال ومقاومته بشتى الوسائل.
وبناء عليه ترى قيادة مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، أن الخيارات المتاحة أمام إسرائيل أصبحت ضيقة وغير قابلة للحياة، جاء ذلك بعد تحذير أطلقه عدد من قادة متقاعدين في جيش الاحتلال، من خطر تمنع العديد الالتحاق بالخدمة العسكرية، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً على تآكل قدرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، مقابل تعاظم قدرات المقاومة اللبنانية والفلسطينية وحتى المقاومة اليمنية، ما يعني أن الكيان الإسرائيلي بات محاصراً بجبهات عدة تختزن جحيم صواريخ صفرية وهذا بالطبع يفقد إسرائيل القدرة على خوض معارك مضمونة النتائج خلال أيام معدودة خارج حدود الكيان الإسرائيلي كما جرى سابقاً، لذلك يرى القادة الإسرائيليون المتقاعدون أن المشروع الصهيوني بدولة يهودية بات مهدداً بالتفكك والزوال لأنه سيبقى مهدداً تحت وطأة الرفض والمقاومة والمحاصرة بجهنم من الصواريخ من كل حدب وصوب، ما يعني انكشاف كامل المنظومة الاقتصادية، التي تشكل العمود الفقري للدولة اليهودية، وإمكانية تدميرها في أي حرب مقبلة، ويختم الضباط المتقاعدون تحذيرهم بالقول:
إن تصاعد العمليات الاستشهادية للفلسطينيين ضد اليهود، وخاصة في الضفة الغربية، لهو أمر بات يشكل خطر القنبلة الديموغرافية، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها.
في أوروبا صدر كتاب تحت عنوان
Le Crime de l’occident
«جريمة الغرب» قامت بوضعــه الكاتبـة الفرنسيـة «ڤيڤيان فورستييه» شرحت فيه كيفية ارتكاب الغرب جريمته بحق الشعب الفلسطيني، وهي في عمقها جريمة اوروبية ارتكبت بحق اليهود، ومن ثم أطلقوا وعد بلفور البريطاني، وبتأييد من الأوروبيين، الذين منحوا اليهود حق ارتكاب مجازرهم البشعة بحق الشعب الفلسطيني، وفي تشريدهم وتهجيرهم، وصولاً لاحتلال وطنهم فلسطين.
الكاتبة الفرنسية فيفيان فورستييه وجهت للحكومات الأوروبية وللمجتمع الأوروبي أسئلة واضحة.
*مَن أحرق مَن؟ أهم عرب فلسطين الذين أحرقوا يهود أوروبا أم الأوروبيون هم الذين ارتكبوا المحرقة؟
*مَن جوّع مَن؟ أهم عرب فلسطين الذين جوّعوا يهود أوروبا أم إننا نحن من قام بذلك؟
*مَن أقام المقابر الجماعية أهم عرب فلسطين الذين قاموا بذلك أم نحن الأوروبيون؟
*مَن قام بتهجير السكان الأصليين لفلسطين ومن ثم احتلالها بالقوة والترهيب، اهم الفلسطينيون أم اليهود؟
تشير الكاتبة في كتابها إلى أن اليهود كانوا معنا يعيشون وفي الأندلس كانوا مستشارين في مصارف بيروت وبغداد والقاهرة وسورية والعراق وفي المغرب العربي كان لهم شأن ومقام كسواهم.
تضيف الكاتبة نحن الأوروبيين، صنعنا هذه المأساة للشعب الفلسطيني والفوضى للعالم العربي،نحن الأوروبيين، لفظنا اليهود ورمينا بهم في فلسطين. نحن الأوروبيين، غسلنا عارنا بدماء الفلسطينيين، وتركنا اليهود يتفننون في قتل وذبح وهدم بيوت الفلسطينيين، وتهجيرهم والاستيلاء على أرضهم، واحتلال بلدهم تحت أعيننا، وجعلنا من المظلومين إرهابيين ظالمين.
وتختم الكاتبة قائلة: ردوهم إلى أوروبا، وابحثوا عن محارق اليهود وأفران الغاز في أوروبا وليس في فلسطين.
حين تنشر صحيفة يدعوت أحرونوت الإسرائيلية مقالاً تحت عنوان «الهجرة المعاكسة وشراء شقق خارج إسرائيل تحسباً لليوم الأسود» فذلك يعني استحالة قيام دولة يهودية وتفكك الكيان الإسرائيلي صار متجذراً في وجدان الصهاينة، أما جملة، تحسباً لليوم الأسود، فهي تعني أن العمق الصهيوني صار متأكداً من حتمية زوال إسرائيل.